في الأسبوع الأول لي في كندا , التقيت برجل اعتقد أن عمره تجاوز الستين كان يقوم بزيارة لعائلة تسكن معنا في الفندق المخصص لإقامة القادمين الجدد في مدينة فانكوفر , وبينما كان يهم بالخروج من الصالة بادرني بالسلام وتبادلنا أطراف الحديث وسألني عن بلدي وعملي وأسئلة التعارف المعتادة , لكنه توقف فجأة عن الكلام وبعد أن صمت قليلاً , قال لي وهو ينطر في عيني بلهجة أكثر جدية سأقدم لك نصيحة وأنت حر بأن تقبلها أو لا
قلت : تفضل
قال : صفّر العداد
سألته مستفهماً عن معنى هذه العبارة , فأجاب : من المؤكد أنك قد ركبت سيارة أجرة في إحدى البلدان العربية , وأول شيء تفعله بعد أن تركب وتغلق الباب أن تنظر إلى عداد التكسي وفي حال كان يعمل بالفعل تطلب من السائق أن يعيده إلى نقطة الصفر بعبارة مختصرة أصبح الكل يرددها : من فضلك صفّر العداد
قلت له نعم , فهمت , ولكن ماذا تعني بها
قال : أنا هنا في كندا منذ أربعة عشرة سنة وازعم أني قد خبرت البلد بشكل جيد وثقافتها وأسلوب العيش فيها , للأسف معظم الأخوة العرب عندما يقدمون إلى كندا يتوقعون أنهم وصلوا إلى جنة الأرض , ولكن الحقيقة مختلفة , لا أريد أن أحبطك ولكن كن مستعداً لبداية حياة جديدة , كل الشهادات والخبرات والمهارات التي حصلت عليها سيأتي دورها فيما بعد ولكن عليك الأن وضعها جانباً باستثناء اللغة الانكليزية , فهي المفتاح الحقيقي للدخول إلى هذا العالم
وأضاف : في الأيام والأسابيع الأولى ستدهشك الألوان وستشاهد الأمور من خلال نظرة السائح , ولكن مع تقدم الوقت بعد عدة شهور أو سنة ستكتشف الحقيقة وستتذكر كلامي , الأمور هنا ليست سوداوية لكنها بنفس الوقت ليس وردية , ستضطر للعمل في غير تخصصك أو حتى في مهنة مرهقة وستتفاجئ بأن كثير من الأمور سهلة جداً بالمقابل هناك صعوبات كثيرة وكبيرة للوصول إلى النجاح أو المكانة التي تحلم بها , ثم أبتسم وأنهى حديثه بأمنياته لي بالتوفيق وغادر
“لقد استبدلت عبء كوني ناجحاً بخفة كوني مبتدئاً من جديد ، وأقل ثقة بما يخص كل شيء ؛ وقد حرَّرني ذلك لأدخل واحدة من أكثر فترات الإبداع في حياتي” ستيف جوبز
