أحسنوا الوجود

إمرأة عربية مغتربة في كندا من فترة طويلة , زارتني طلباً لإستشارة أسرية , جلست تحدثني :
تزوجت وأنا في عمر ٢٢ من رجل في 33 , مقيم في كندا بمفرده منذ أن كان عمره ١٧  عاماً , كان انساناً مثقفاً وله حضور وأبن لعائلة معروفة , بعد شهرين من زواجنا , كنا معاً في غرفة الجلوس , طلب مني أن أذهب لغرفة ثانية لأنه يريد أن يبقى لوحده , تفاجئت من طلبه وغضبت وشعرت بالإهانة ولكن مع ذلك نفذت طلبه , وأقنعت نفسي بأن هذا بسبب عيشه لوحده وقد تعود على وحدته , ومنذ ذاك اليوم بدأت أمنحه ساعة أو أكثر كل يوم , عندما يعود إلى البيت , أشغل نفسي في أمور البيت لأعطيه هذه المساحة

وتابعت : رزقنا بطفلين وأنا أحاول قدر استطاعتي أن أعطيه وقتاً  يكون بمفرده لا أحد حوله , ولكن الوضع تغير فأصبح لدينا طفلين ومن الصعب اشغالهم كل يوم ساعتين ليجلس هو في الصالة التي هي للجميع , المهم بين أيام وأيام بين سلام وعراك مرت السنين , وبعد أعوام اكتشفت أنه عاشها يأكل لوحده وينام لوحده ويجلس لوحده , وفي كل مرة أنفجر , يجلس معنا يومين أو ثلاثة ويعود إلى عزلته , وأنا أتناسى لإنشغالي

وبعد مرور ١٥ عاماً وجدت نفسي تعودت على عدم وجوده , فلم أعد أطلب منه أن يأكل معنا ولا أتمنى أن ينام بجانبي , بل على العكس أصبحت لا استطيع النوم وهو بجانبي , وانتظر اليوم التالي لينام في الصالة , أصبحت أبتعد عنه وهو وجد في ذلك سعادته , أبتعدت روحي عنه وتركت التمسك به وحتى المحاولة , ومرت عشر سنوات , وهو الأن بدأ يشعر بإبتعادي عنه , ويحاول التقرب مني , لكني لا أستطيع , فقد عودت نفسي على وحدته , فلم أعد أرى وجوده بيننا مهماً , وهو كان سعيداً بذلك بعد فشل محاولاتي ١٥ عاماً , أستمتع بصمتي وانسحابي عشر سنوات

والأن هو يحاول العودة , لكن المشكلة أنا وأولاده لم نعد نتقبل وجوده , وأن يغضب عندما يسمع صوتنا , فتعودنا أن نتحدث بعيداً عنه ونصمت بوجوده , أصبح يشتكي من صمتنا , وهو الذي كان يغضب من سماع أية مشكلة , فتعودنا أن نحل مشاكلنا بعيدا عنه , والأن يعاتبنا بعدم الرجوع له , أصبح وجوده عطفاً منا عليه , نعتني به ونبتعد ,نضع الطعام له ونخرج , يريدنا أن نقترب ولكن لا نستطيع , ماذا نفعل؟

لا تقولي لي أن الأمر سهل , لأننا جاهدنا أنفسنا  ٢٥ عاماً لنكون كما يريدنا , والعودة أصبحت بعيدة جداً , أخبرك بقصتي لأوصل رسالة لكل أب , وجودك مع أسرتك مهم ومهم جداً , وجودك في معمعة الطعام وحل مشاكل أفراد عائلتك والتدخل في مشاحناتهم وتحمل ضجيجهم والتأقلم على بعثرة البيت بوجودهم هكذا يقاس الوجود , وجودك في الليل بجانب زوجتك تحدثك عن يومها وتشكتي لك همها وتخبرك عن أحلامها , هكذا يقاس الوجود , وجودك بين زوجتك وأولادك تخبرهم عن همومك ومشاكلك ويومك , ليكونوا لك سنداً وأماناً هكذا هو الوجود

لكل أب وأم أحسنوا الوجود قبل أن تفقدونه وأنتم على قيد الحياة

شاركها ...

{{ reviewsTotal }}{{ options.labels.singularReviewCountLabel }}
{{ reviewsTotal }}{{ options.labels.pluralReviewCountLabel }}
{{ options.labels.newReviewButton }}
{{ userData.canReview.message }}
Canada
17°C
الأربعاء
Light rain
88%
1015
20 km/h

الأكثر مشاهدة

Scroll to Top