المهاجرة الإيرانية الشابة شهرزاد رفعتي , التي عينها رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو , في منصب ممثلة سيدات الأعمال الكنديات خلال قمة مجموعة العشرين التي استضافتها كندا عام 2018 , كانت قد وصلت إلى كندا بحقيبة واحدة فقط ومعرفة محدودة باللغة الإنكليزية , قالت أنها كانت تعلم أيضاً أنها لن تكون قادرة على تحقيق حلمها إذا بقيت في بلدها إيران , لذلك ، في سن 17، نجح حسّها القيادي وثقتها في إقناع والديها بالسماح لها بالانتقال بمفردها إلى كندا للالتحاق بالجامعة , وصلت شهرزاد إلى مدينة فانكوفر عام 1996 , تقول : “لم أستطع إفهام الأخرين ما كنت أريد قوله عندما وصلت إلى البلد الجديد ، وأعتقد أن ذلك كان ربما التحدي الأكبر، لكنني كنت مصممة على تحقيق النجاح في حياتي”
واليوم ، تواصل الشابة البالغة من العمر 40 عاماً ، إدارة شركة ” BBTV ” التي أطلقتها عام 2005 , عندما كانت تبلغ من العمر 25 عاماً , حيث تساعد هذه الشركة الزبائن في جميع أنحاء العالم تأمين الحصول على عائدات الإعلانات من مقاطع الفيديو التي تعرض عبر يوتيوب وفيسبوك ومواقع الانترنت والتطبيقات الأخرى , وتشمل قائمة زبائنها الرابطة الوطنية لكرة السلة وسوني ووارنر بروس وديزني , وقد خمنت الصحف الكندية قيمة شركتها بأنها تزيد عن مليار دولار أمريكي. وتقول: “من المهم أن يفكر رواد الأعمال بآمال كبيرة قدر المستطاع”
ولدت شهرزاد لأبٍ من كبار رجال الأعمال في طهران عام 1979، عام الثورة الإيرانية. حيث كان والدها تاجر عقارات ، ووالدتها تدير شركة نسيج , غادرت شهرزاد إيران لتطارد حلمها فأصبحت قدوة لسيدات الأعمال , وفي أعقاب الثورة والحرب العراقية الإيرانية التي اندلعت بين عامي 1980 – 1988، أصبحت الحياة في العاصمة الإيرانية صعبة بشكل متزايد على عائلتها، فانتقلت شهرزاد وعائلتها من المدينة إلى قرية صغيرة هرباً من قصف القوات الجوية العراقية , وتقول : “كانت إيران في حالة حرب لمدة ثماني سنوات ، وخسرت عائلتي الكثير من ثروتها”
وتضيف “كنت أعلم أنني بحاجة إلى مستقبل وحياة مختلفة لتحقيق بعض ما أطمح إليه مثل نيل المساواة ، لذلك عندما بلغت سن المراهقة، كانت مصرة على السفر والعيش في الخارج” , التحقت شهرزاد في فانكوفر بجامعة بريتش كولومبيا لدراسة علوم الكمبيوتر. لم تكن تعرف وقتها الكثير عن أجهزة الكمبيوتر، ولم تكن تمتلك حتى جهازاً، لكنها كانت شغوفة بالرياضيات والتكنولوجيا , بعد تخرجها عام 2000 درست اللغة الفرنسية في جامعة “السوربون” في باريس، ثم درست القيادة في مدرسة “سعيد” للأعمال في جامعة أوكسفورد.
وبالعودة إلى الوراء ، تقول إنها كانت مهتمة بالكيفية التي أحدثت بها شركة آبل ثورة في مجال الموسيقى ، والطريقة التي بدأ بها الناس في تداول الموسيقى من خلال مشغل “آيبود” وخدمة “آيتون”. وأدركت أن الفيديو سيواجه نفس المصير عبر الانترنت , وتقول : “كان التحول السريع في كيفية اتجاه الناس إلى تداول الموسيقى مؤشراً واضحاً عما سيكون عليه مجال الفيديو”. “كان الصوت والمحتوى السمعي في بداية تطوره، وكان جلياً بالنسبة إلي أن الفيديو سيكون التالي”
لذلك، أسست في عام 2005، شركتها BBTV وهو نفس العام الذي تأسس فيه موقع يوتيوب , في البداية، كانت الشركة تصنع أجهزة فك التشفير التي تمكن المستخدمين من مشاهدة مقاطع الفيديو المنشورة على الإنترنت، على أجهزة التلفزيون الخاصة بهم. لكنها لم تكن شائعة بين الجمهور، فالناس كانوا سعداء بمشاهدة مقاطع الفيديو عبر الإنترنت على أجهزة الكمبيوتر، وفي غضون ثلاثة أشهر فقط، قررت شهرزاد تغيير عمل الشركة , وتقول : “عليك أن تفشل بسرعة، وأن تتعلم من أخطائك بسرعة” , ولاحظت شهرزاد أن مستخدمي الإنترنت كانوا يقومون بقرصنة مقاطع الفيديو ويحملونها على منصات الإنترنت كما لو أنه فيديو جديد على يوتيوب
ليتحرك بعدها أصحاب الأفلام وحقوق النشر وشركات التلفزيون إلى المطالبة بإزالتها بسرعة , حينها خطرت لها فكرتها الكبيرة ، وهي إنشاء برنامج يسمح لهذه الشركات بالاستفادة من الإعلانات الموضوعة على كل هذه المنصات بدلاً من السعي لإزالتها , ويتتبع برنامج BBTV محتوى الفيديو الذي تم تحميله، كالألعاب الرياضية البارزة أو فيديوهات ومقاطع أفلام مختلفة مثلاً، من خلال تقنية التعرف على الصوت والفيديو، ثم يتم وضع الإعلانات على مقاطع الفيديو لتذهب عائداتها إلى الشركات أو الهيئات الرياضية التي استهدفها الإعلان، مقابل حصول BBTV على نسبة من تلك العائدات.
وبعد عامين فقط من تأسيسها للشركة ، تعاقدت BBTV مع أهم زبائنها , الرابطة الوطنية لكرة السلة NBA، التي لا تزال متعاقدة معها حتى يومنا هذا , وتقول شهرزاد : “كنت في العشرينات من عمري ومتوترة جداً، لكنني كنت حقاً واثقة بحلولنا” , وللمساعدة في تنمية أعمالها، جذبت عدداً من المستثمرين ، من بينهم رجل التكنولوجيا الكندي حامد شهبازي. ثم في عام 2013 ، اشترت مجموعة الترفيه الأوروبية RTL حصة 51 في المئة من أسهم الشركة بمبلغ قدره 36 مليون دولار , وقامت RTL لاحقاً بزيادة نسبة حصتها إلى 57.3 في المئة
لكن شهرزاد لا تزال تمتلك واحدة من أكبر الحصص الفردية , ولا تنشر RTL بيانات مالية منفصلة لـ BBTV ، لكن قسم “الأنشطة الرقمية” فيها والذي يضم الشركة الكندية وشركتين غيرها حققت عائدات وصلت إلى 539 مليون دولار العام الماضي , وتنتج BBTV الآن أيضاً برامج للمساعدة في إنشاء مقاطع فيديو عبر الإنترنت ، وخدماتها متاحة للأفراد والشركات. ويقال أن مقاطع الفيديو المرتبطة بتقنياتها المختلفة شوهدت 429 مليار مرة في عام 2019 , وتقول ستيفانيا فارالي، الرئيسة التنفيذية لمنظمة Women Of Influence الكندية التي تروج لسيدات الأعمال والقائدات الأخريات ، إن سر شهرزاد يكمن في قدرتها على مجاراة التقدم والتطور في هذا المجال.
وتقول فارالي : “شهرزاد دائمة التطور وهو ما جعلها في صدارة اللعبة” , وبصفتها رائدة أعمال في صناعة يسيطر عليها الذكور، تقول شهرزاد إنها اضطرت للعمل أكثر من نظرائها الذكور. “بالنسبة إلي لا مجال للخطأ إلا ما قلّ” , في BBTV ، حققت طموحها في إنشاء شركة عالمية، ويتوزع الـ 400 موظف في أربعة مراكز رئيسية ، ومقرها الرئيسي في فانكوفر، ولها مكاتب في نيويورك ولوس أنجلوس ومومباي , وتقول شهرزاد إنه لا توجد فجوة في الأجور بين الموظفين والموظفات ، وأن النساء يشكلن 43 في المئة من إجمالي القوى العاملة، و46 في المئة من المدراء ، وهذه أرقام عالية بالنسبة لشركة تكنولوجيا , “هذا يجعلني فخورة جداً، وهو عامل رئيسي في سبب نجاحنا في BBTV “.