نرحبُ بضيفتنا الكريمة الكاتبةِ مينا بشيرْ , وكما جرتْ العادةُ في البدايةِ نفسحُ لضيفنتا فقرةَ البطاقةِ الشخصيةِ والمهنيةِ , للتعريفِ بنفسها – لمنْ لا يعرفها
مينا بشير راضي ، كاتبة ومؤلِّفة ، مُعَلِّمة لغات وخبيرة تَسويق وكذلك ناشِطة في مواقِع التَواصُل الاجتماعي , أعيشُ على هذه الأرض منذُ 23 عامًا ، و أتطَلَّعُ دائمًا لخَوضِ التَجاربِ الجديدة ومُخالطة الثَقافات المُختلفة , أنا فراشةٌ حالِمةٌ تَقِفُ على ناصيةِ الأمل ، تُقاتِلُ بأجنِحَتِها الناعِمة.
مينا اسمٍ مصريٍ وأنتي تنحدرينَ منْ عائلةٍ عراقيةٍ ربما يعبرُ عنْ لقاءِ حضاراتٍ , هلْ كانَ للتاريخِ دور في تنشئتكَ , ما مدى تأثركَ بهذهِ الجذورِ على المستويينِ الشخصيِ والإبداعيِ , ومتى بدأتي الكتابةِ ؟
مينا اسم عراقي بالدرَجة الأولى ومصري وجزائري … حيث أنه اسمٌ يَنتَمي إلى جميعِ بِقاعِ الأرض و يمزِجُ ببَراعةٍ ما بين الحَضارات. إنه اسمٌ يَحتَفي بهويةِ كل لُغة , لقد كان لتاريخِ بلَدي العراق دورٌ كبيرٌ في تَنشِئةِ مينا الطفلة ذات الخيال الواسِع ، وهو حتى اليوم يدفَعُني إلى الكتابةِ عنه والتَمَعُّنِ في أحداثهِ المُتَناقِضة , أنا أحمِلُ تلك الجُذورَ في ثَناياي حيث ما أذهبُ وأسافِر. رغمَ أنني أعشقُ التِرحالَ والسفَر، إلا أن المَرسى هو العراق دائمًا وأبدًا , أنا فتاةٌ شَرقيةٌ بامتياز وعراقيةٌ جدًا على المستَوى الشخصي ، فأنا لا أشبهُ الفتَياتِ هنا. حادّةُ الطِباع ، ثَوريةٌ أقِفُ على ناصيةِ الخطَر في كل موقِف ، وهذه الصفات قد اكتَسَبتُها من ثقافة بلَدي الأم. أحِبُّ أن أحتَفي كل يومٍ بجمالِ لغَتي الأم ، وحتى على المستوى الإبداعي فأنا أهدي كل كلماتي للعراق ، إذ أن الوطن هو حافِزي الدائم للكِتابةِ واختِلاقِ القصَص . تُصابُ أنامِلي بالرَعشةِ عندما أكتبُ عن بغداد ، عن استِكان الشاي في الصباح ، عن دجلة الخير، كل شارعٍ من شوارعِ بغداد هو شِريانٌ يَنبِضُ في داخلي , لقد بدأتُ الكتابة مُذ كان عمري 11 سنة
البداية المبكرةِ للكاتبِ تنمُ عنْ بيئةٍ ثقافيةٍ عائليةٍ محفزةٍ أوْ بمعنى آخرَ جاذبةً للتجربةِ والنتاجِ الأدبيِ . حدثينا عنْ هذهِ البداياتِ والتدرجِ وصولاً إلى إصدارِ الكتاب
أنا نشأت في بيئة عِلمية أكثر من كونِها أدَبية ، لكنني اختَرتُ أن أتميَّزَ وأكسِرَ القَوالِبَ والصورَ النمَطيةَ مُبَكِّرًا ، إذ وجًدتُ في الأدَبِ الإشباعَ والنشوةَ التي كنتُ أبحثُ عنها مُذ كنتُ طفلة , بداياتي كانت مع الكتُب ، إذ كنت أقرأُ لجبران خليل حبران واحمد شوقي بكَثرة ، ثم بدأتُ بقراءةِ الأدب العالَمي المتَرجَم وخصوصًا الأدب الروسي ، إذ أنني أعشقُ القراءةَ لدوستويفيسكي وتشيخوف ونيكولاي غوغول.
لمسنا حبكَ الشديدُ لبغداد حتى أنكَ عرفتي نفسكَ بـ ” كاتبةً بغداديةً حملتها الرياحَ الكنديةَ ” على غلافِ كتابكَ ” قلم مغتربٍ ” , هلْ هذا مؤلفكَ الأولُ ومتى بدأتْ رحلةَ الاغترابِ لقلمكَ
كتاب قلم مغترب هو كتابي الخاص الأول وهو مختلفٌ من نوعه ، حيث أنه يحمِلُ في ثَناياهُ قصَصًا واقعيةً مع لمسةٍ من الخيال ، وقد سَرَدتُ فيه قصَصي مع الغربة , بدأت رحلةُ اغترابي عندما بدأتُ الكتابة ، إذ أن الكتابةَ تُضاعِفُ شعورَ الغربةِ وتُفرِغهُ في آنٍ واحد.
نستحضرُ معكَ إبداعاتِ أدباءِ المهجرِ الثريةِ بالحنينِ والشكوى , منْ خلالِ تجربتكَ هلْ ترينَ الشعورُ بالغربةِ يزيدُ مساحةَ الألمِ اللازمةِ للكتابةِ والبوحِ المتألقِ , متىْ بدأتي رحلةَ الغربةِ , ما مزياها ومثالبها بعينِ الفتاةِ الشرقيةِ والكاتبةِ مينا
بالتأكيد ، فالغُربةُ هي المُحَفِّزُ الرئيسي لعمَلية الكِتابة ، فالانسان الذي يشعرُ بالأمانِ والاحتواءِ الدائِمَين لن يتمكَّنَ من صياغةِ الوجَعِ الحقيقي والكتابةِ عنه بالطريقةِ التي تُلامِسُ القُرّاءَ كما يجب ، و خاصّةً القارئ العرَبي الذي ذاقَ أصنافَ الألَم في مَوطنهِ قبل اغتِرابه. في نظَري ، إنَّ قُدرةَ الكاتبِ على مُحاكاةِ آلامِ الشَعبِ هي الصفةُ التي تجعلُ من النَصِّ نَصًّا دَسِمًا وتَرتَقي بالكاتبِ إلى رُتبةِ التمَيُّزِ في قلوبِ قُرّائه. والغربةُ بطَبيعةِ الحال هي ذلك الألَمُ الأكبَرُ الذي يُغوي الكاتبَ باستِمرارٍ ويدفَعهُ إلى الاحتراقِ بشَبَقِ البوح.
لقد بدأتُ رحلةَ الاغتراب منذُ كنت في الخامسةِ من عُمري ، والحمدلله أنني لا أذكُرُ لحظةَ ولادةِ الغُربة وأوجَها ، إذ لم أكُن أعي ما يحدثُ حولي في ذلك الوقت , لقد كانت الغُربةُ رَفيقةَ دربي طوالَ تلك السنوات. كانت السِجنَ و الحُرّية ، الملحَ والسُكَّر، الثُبورَ والحُبور، الامتلاءَ والفراغ . ببساطة ، لقد كانت كل شيءٍ ولاشيء.
أخذنا الحديثُ بسياقٍ أدبيٍ ثقافيٍ مميزِ طبعتيهِ بأسلوبكَ الخاصِ . . اسمحي لي بالعودةِ إلى الكتابِ ولكنْ ليسَ إلى مافيهْ بلْ إلى ما حولهُ . . ما هيَ أصداءُ استقبالهِ منْ الناسِ وخصوصا وأنهُ الكتابُ الأولُ لكَ وهذا تحدي منْ نوعٍ خاصٍ
فعلاً الإصدار الأول للكاتِب هو تَحَدٍّ كبيرٌ بين الكاتبِ وعمَلية النَشر، وهو تَحَدٍّ بين الكاتبِ ونفسه. لقد كنتُ محظوظةً إذ أن الأصداءَ كبيرةٌ والآراء فاقَت تَوَقُّعاتي . وقد وصلَ كتاب “قلم مُغتَرِب” إلى الكثيرٍ من الدوَلِ الغربية مثل أمريكا وكندا ولندن ، و وصلَتني رسائلُ كثيرةٌ من أشخاصٍ بكوا و فاضَت عُيونهُم بالدَمعِ عندما قرأوه ، ربما لأنه يُداعِبُ المشاعِرَ المَكبوتة ويلعَبُ على الأوتارِ الحَسّاسةِ في أعماقِ كل غريب.
حضرتي مؤخرا فعالياتِ معرضِ الكتابِ العربيِ الكنديِ في مسيساغا , ما هيَ أجواءُ المعرضِ هلْ ألتقيتي بأدباءَ وكتابٍ آخرينَ وهلْ حصلتي على فرصةِ التماسِ المباشرِ معَ القراءِ ووقعتيْ لهمْ إهداءاتٌ كما هيَ العادةُ في مثلٍ هذهِ المناسباتِ
نعم لقد سَعِدتُ جدًا بحُضور المعرَض وقد كان لي شرفُ لقاءِ بعضِ الكُتّاب والأدَباء والشُعراء المُميَّزين والأثرياء بأدَبهم . كما أنني سَعِدتُ جدًا بالتَعَرُّفِ على قُرّائي شخصيًا وتجاذَبنا أحاديث عميقة ، وطبعًا وقَّعتُ لهم بعض النُسَخ من كتابي بكل حُب. صحيحٌ أن الإقبال على المعرض لم يَكُن كما توقَّعت ، إلا إنها مُبادرةٌ ثقافيةٌ حَسَنةٌ والتِفاتةٌ مُميزة أتمنى أن تتَكَرَّر.
سمعتْ رأيَ بعضِ الأصدقاءِ قالوا لمْ يكنْ التحضيرُ للمعرضِ كافيا ولا التوقيتُ مدروسا وكذلكَ الإعلانُ عنهُ ربما ستكونُ النسخةُ الثانيةُ أفضلَ , هذا يفتحُ البابُ للسؤالِ عنْ الحالةِ الثقافيةِ العربيةِ في كندا بكلِ أبعادها التنظيميةِ والمعرفيةِ
سؤالٌ لابُدَّ من طَرحِه ، إن النشاط الثَقافي العرَبي في كندا قليل ومَحدود جدًا ، إذ أن الثقافات الأجنَبية تَستَحوِذُ دائمًا على جميع الأضواء مثل الإعلام والصَحافة واهتمام العالَم . إن الخَلَل الأول لتَراجُعِ مُستَوى الثقافة العربية في الغرب وتَعطيلِ العجَلةِ الثقافية يَكمُنُ في مشكلة وَعي الأفراد ، إذ تحتَلُّ اللغة العربية والثقافة العربية المرتَبة الثانية دائمًا بعد اللُغات الأجنَبية .
أما الخلَل الثاني فهو في التَسويق للفِكرة العرَبية ،وإذا ما غابَ التَسويق اندَثَرَت الفكرة ,نحتاجُ إلى نشاطٍ أكبر في التَسويق لأحداث كبيرة ومهمّة مثل معرض الكتاب العربي الكندي حتى يَحوزَ على الانتشار والأصداء التي يستَحِقُّها
الشأن الثقافيِ جزءٌ منْ حالةِ الجاليةِ العربيةِ وكذلكَ وضعُ المرأةِ المغتربةِ في كندا , بشكلٍ عامٍ ما هوَ انطباعاتكَ ورأيكَ وقدْ عايشتي مراحلَ عدةَ عبرَ أكثرَ منْ 20 عاما , وما هيَ الرسالةُ التي توجهينها بهذا الصددِ
الجالية العربية في كندا نَشِطة ، لكنها بحاجةٍ إلى المزيدِ من الثقةِ والنشاط والتَكاتُف حتى يَسطَعَ نورُها في سماءِ الغَرب. نحتاجُ إلى رصيدٍ أكبرَ من الإنجازات والنَجاحات الجَوهَرية والمؤثِّرة في المجتمَع والعالم أجمع ، وبهذا أعني تلك الإنجازات الذَرّية الحقيقية التي تُغَيرُ البلَد والعالم , أما بالنسبة للمرأة الشرقيةِ العربية المُغتَرِبة فهي مصدَرُ الذكاء ومَنبَعُ الثقافةِ والفِتنة ، فالفِتنةُ هي الثَقافة الفِكرية ، والثقافة هي الفِتنة
في رأيي ومن خلالِ تَجاربي واختِلاطي بالعديدِ من الفتَيات والنساء العرَبيات هنا ، أنا أؤمِنُ بأن المرأةَ العربية تملِكُ طُموحًا كبيرًا وإصرارًا فولاذيًا ، بالإضافةِ إلى ذكائها المُختلف والحاد ، فهي شرقيةٌ عِصاميةٌ اعتادَت على عدمِ الاستسلامِ بسُهولة بسببِ الظروفِ التي كابَدَتها طوالَ حياتِها من حروبٍ خارجيةٍ وداخِلية . فالمرأةُ العربية تملٍكُ العَزيمةَ والمُرونة الفِكرية التي تُساعدُها على اجتيازِ المسافاتِ الطويلةِ بإصرارِها , فهي حالَما تَضَعُ هدَفًا في رأسِها فهي دائمًا تتألَّمُ لأجلِ الوصول ، دَيدَنُها الإيمان الدائمُ بالله وبذاتِها وقُدُراتِها , إن لدى لمرأةِ العربيةِ الكثيرَ لتًقَدِّمهُ إلى كندا والعالم من الناحية الشَخصية والعائلية والاجتماعية والعِلمية والمِهَنية ، ذلك أنها تملِكُ طاقةً كبيرةً للاستِكشافِ والتعَلُّمِ والإنجاز، والأهمُّ من وجودِ هذه الطاقة هو تَوجيهُها واستثمارها في إنجازاتٍ تخدمُ البشَرية.